بسم الله الرحمن الرحيم
دور استقرار الرحل في حل الصراعات القائمة بين قبائل البقارة فى جنوب دارفور وكردفان
مقدمة ومبررات :-
الترحال سمحة لحياة الانسان الافريقى منذ اكثر من 3000سنة فى سهول السافنا وماذال هذا الترحال سائداً فى وسط وشرق وغرب افريقيا بما فى ذلك السودان .
فى السودان لاذالت القبائل النيلية تمتهن الرعى كوسيلة وحيدة للحياة وهؤلاء يمثلهم الدينكا والنوير والانواك والشلك . وفى كينيا يتمثل ذلك فى المساى وتركانا وفى يوغندا لكراماونق وفى غرب افريقيا الرعاة التقليديين يمثلهم الفلانى وامبررو (Umbararro) يرعى هؤلاء الرعاة الابقار من نوع الزيبو (Zebu) ذو القرون الطويلة وقليل من الماعز النيلى والضأن الافريقى تنعد بينهم الفصيلة الخيلية من خيول وحمير وكذلك الجمال لاوجود لها على الاطلاق .تأقلمت هذه الحيوانات الاليفة على مناخ افريقيا المدارى ،والترحال الى الاماكن العالية فى فصل هطول الامطار (الخريف) والعودة الى القرى الدائمة لصيد الاسماك ورعى العشب الاخضر .
فى فصل الجفاف للابقار دوناً عن الحيوانات الاخرى مكاناً خاصاً حيث ان مايملكه الفرد من الابقار يعطيه مكاناً مرموقاً فى المجتمع القبلى كما ان الابقار ضرورية فى المهور والطقوس الدينية والغذاء (اللبن) والدية عند الاقتتال .
من ناحية اخرى دخل العرب المسلمون شرق ووسط وغرب افريقيا على ظهور الجمال والحمير فى الغالب تكون تبعتهم اعداد مقدرة من الضأن والماعز الصحراوى والنوبى ،الذين اتو من مصر محازين للنيل . استطاع هؤلاء العرب المسلمين التوغل داخل العمق الافريقى حتى خط عرض 10 oشمالاُ وعلى ساحل المحيط الهندى حتى جمهورية جنوب افريقيا .
لم يستطيع العرب دخول الاحراش الاستوائية والسافنا الغنية الافريقية جنوب خط عرض 10ش ربما نتيجة للسواحل الافريقي والافات التى المت بهم وحيواناتهم ايضاً وربما نتيجة لمقاومة القبائل الافريقية للغزاة .
العرب الذين توطنوا شمال خط عرض 10ش تزاوجو مع القبائل الافريقية ونتج عن ذلك هجين ساد الاقطار الافريقية التالية :-
السودان ،موريتانيا ، شاد ، النيجر ، مالى ، نيجيريا ، وغينيا وربما تنزانيا وساحل كينيا الشرقى والصومال واثيوبيا وارتريا ذلك الهجين الاسيوى الافريقى امتهن رعى الجمال والماعز والضان الصحراوى والنوبى بين خط 13-18 ش الجزء الاخر من هذا الهجين الذين فضلو رعى الابقار عرفوا بالبقارة . والبقارة فى دار فور يتمثلون فى البنى هلبة والفلاته والتعايشة والهبانية والرزيقات وفى كردفان يتمثلون فى المسيرية (الحُمر والزرق) والحوازمة واولاد حميد وبعض قبائل امبررو. هنالك بقارة على ضفاف النيل الابيض وهؤلاء يتمثلون فى بنى جرار وسليم واولاد حميد وهنالك بقارة فى جنوب النيل الازرق تمثلهم قبائل كنانة ورفاعة والفلاتة وامبررو .
القواسم المشترك بين البقارة فى جميع انحاء السودان هى كااتى :-
1- تطقى احتياجات الابقار على جميع طرق حياتهم .
2- يترحلون جميعاً عن بداية فصل الامطار من المصائف ابتداءاً من مايو للذهاب الى المخارف فى وسط السودان او القوز فى كردفان ودار فور .
3- العودة الى المصيف ابتداءاً من اكتوبر من كل عام والبقاء مؤقتاً حوالى خط عرض 10o ش وجنوب.
4- فى سنوات القحط (الجفاف). يتوقلون داخل ولايتى بحر الغزال والاستوائية وايضاً داخل الحدود الدولية فى اثيوبيا ، شاد ، افريقيا الوسطى ، وربما جمهورية الكنغو الديمقراطية .
5- منذ الازل كانت الاحتكاكات والمناوشات تختلف فى حدوثها من آن الى اخر بين الرحل انفسهم والزراع المستقرين تحل المشاكل بين هؤاء المتعاركين بواسطة الاعراف القبلية المتوارثة عبر الزمن .
6- فى زمن الحكم الثنائى حددت الحكومات المحلية والمديريات المختلفة مراحيل ثابتة لكل قبيلة لتفادى الاحتكاك بين سلطات القرى والرحل وبين الرحل انفسهم .
7- بعد الاستقلال غفلت الحكومات المحلية والحكومات المركزية المتعاقبة عن هذه المراحيل بما فى ذلك تزويدها بالخدمات البيطرية والامنية والصحية التى تقدم على طريق المراحيل.
8- ايضاً منذ الاستقلال كانت هناك الحرب الاهلية فى الجنوب وبعد عام 1983م شملت الحرب الاهلية جبال النوبة وجنوب النيل الازرق واخيراً ولاية دار فور الكبرى . هذه الاماكن تمثل المصائف التقليدية للبقارة فى شرق وغرب ووسط البلاد وعدم الوصول اليها يؤدى للاحتكاكات الدامية العنف بين الرحل انفسهم وبين القبائل المستقرة فى الارياف وحول المدن .
9- الترحال حرم البقارة من خدمات ضرورية مثل:-
1)- الصحة 2)- التعليم 3)- الامن 4)- المعارف 5)- التسويق 6)- الحياة العصرية الراقية حيث نجد مستوى معيشة عالى فى الدرجة الثامنة اكثر راحة ومعنى ومستوى من بقارى يملك مئات الابقار.
10- الحكومات المركزية والولائية والمحلية المتعاقبة لاتعير احتياجات الرحل انتباهاً وربما لاتحس بوجودهم على الاطلاق عند تخطيط المشاريع الزراعية التنموية والاستثمارية وهذا يشمل الرحل من بقارة وغيرهم .
11- تتوسع الزراعة الالية الحكومية والشركات الزراعية الامنية فى المراحيل التقليدية للرحل دون اعتبار لمتطلباتهم .
12- الغالبية العظمى من البقارة تهتم بكمية الابقار المملوكة وليس النوع الإنتاج المربح .
13- ابقار البقارة الغربية والفلاتة وامبررو بها قدرة عالية لتحمل مرض التربانسوما (مرض ام بوصى)
(مرض الصبان) وايضاً القدرة على تحمل السير مئات الكيلو مترات عند الترحال .
فى رأينا ان المشكلة بين المسيرية الحمر والرزيقات تكمن فى عدم الاستقرار او الترحال فلو استطعنا من اليوم وليس الغد على استقرار البقارة فى مصائفهم فهذا يمكنا من تقديم خدمات صحية وامنية وتعليمية ومعرفية لهؤلاء المواطنين الذين يساهمون بربع الدخل القومى من العملات الصعبة وخمسين فى المائة من مدخلات الانتاج الحيوانى كما يئمنون كل احتياجات الوطن من اللحوم و80% من الالبان . السؤال هنا لماذا لم يستقر الرحل ولماذا يرتحلون ؟.
اسباب الترحال :-
1- الهجرة الى المصائف املتها عليهم طبيعة مناخ السافنا حيث يتوفر العشب والماء فى المخارف وتكاد تنعدم المياه كلياً عند منتصف فصل الجفاف وانعدام الماء كلياً فى المناطق التى بها مرعى مناسب .
2- الهجرة الى المخرف اليها عدة اسباب :-
1)- يتوالد الذباب القارص من نوع الناموس باعداد خرافية فى فصل الامطار ويهاجم الحيوانات الاليفة والبرية بشراسة والتى ربما تؤدى لهلاك الحيوانات ولذا كان لابد من مقادرة المصيف عند هطول الامطار او موسم توالد الزباب .
2)- الاعتقاد السائد بالنسبة للبقارة بان المرعى فى القوز اكثر فائدة غذائية واشهى لقطعان الابقار.
3)- الاعشاب فى فصل الامطار بالمصائف تنمو بكثافة تكون عالية فيما يعوق رؤية القطيع وادارته ورؤية الحيوانات المفترسة المختبئة به.
4)- الحنين والعودة الى الدار بعد غياب بين 7 – 8 اشهر سنوياً .
5)- تأقلمت ابقار البقار على هذا النمط من الحياة وعند هطول الامطار تهاجر الابقار لوحدها الى الشمال غصباً عن صاحبها ربما لتفادى الوحل وقرصات زباب التستسى نهاراً والبعوض والقراص ليلاً .
لكى نستطيع اقناع البقارة على الاستقرار فى المصيف علينا تخفيف او تقيل الأسباب التى ادت الى ترحالهم عبر القرون .
لكى نصل الى هذا الهدف علينا ان نسال .
(1)- هل المرعى فى القوز وغيره من المخارف اكثر فائدة لقطعان الابقار؟ وهل اثبت ذلك علمياً ؟.
(2)- هل يمكن مكافحة زبابة التستسى بطريقة مستدامة وهو ربما يكون السبب الرئيسى فى الترحال .
(3)- بالنسبة للاعشاب الكثيفة والعالية عند الاستقرار يستطيع السكان الجدد قطع الاشجار وفتح الطرق وطرد الحيوانات المفترسة . وفى هذه القرى سوف نتمكن من لم شمل الاقرباء الذين تخلفوا فى الدار .
بالرغم من صعوبة الاجابة على السؤالين الاول والثانى لكن هنالك تجارب اولية اثبتت بان ابقار البقارة (تعتمد وتكسب الوزن وتتكاثر اذا بقيت بالمصائف فى فصل الامطار اى اذا استقرت بالمصيف هذه التجارب اجريت بواسطة المعمل الاقليمى للابحاث البيطرية بنيالا بالتعاون مع هيئة تنمية غرب السافنا والابحاث البيطرية بسوبا تتلخص التجربة فى الاتى :-
1- وضعت حوالى مائة بقرة (Western Baggara breed ) من اعمار مختلفة فى منطقة الردوم (مصيف) لمدة عام كامل .
2- هذه الابقار عولجت ضد مرض التربانسوما والديدان الداخلية .
3- تركت هذه الابقار لتعيش فى المرعى الطبيعى المتوافر بالمنطقة دون اعطائها اى عليقة مركزة .
4- وزن كل حيوان من هذا القطيع كانت ايجابية ومشجعة حيث ان كل افراد القطيع قد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وزناً اسبوعياً ولم ينفق اى حيوان نتيجة للمرض او الاعتداء بواسطة الحيوانات المتوحشة .
هذه التجربة عليها مآخذ .
1- منطقة الردوم حيث اجريت التجربة مأهولة بها مزارع الشاسعة للدخن والزرة مما ادى الى انعدام الاعشاب الكثيفة الطويلة . من ناحية اخرى هذا يبين بانه عن الاستقرار يمكن ترويض الطبيعة لزيادة الانتاج الزراعى بشقيه الزراعى والحيوانى .
2- التجربة لم تقارن بين زيادة الوزن والولادة وانتاج اللبن والنفوق بين الابقار التى ذهبت الى المخارف فى القوز والابقار التى قضت فصل الامطار بالردوم .
3- التجربة اجريت لموسم واحد وفى هذا الموسم بالذات كانت الامطار اقل من المتوسط 500-800 ملم لذى ربما جعل ابقار التجربة اكثر تحملاً .
4- هذا لاينفى ان العيش فى المصائف فى فصل الامطار مفيد ويمكن الاعتماد عليه فى تغذية الابقار . التجربة انفة الذكر اثيبتت بان الابقار يمكن ان تعيش فى بحر العرب فى فصل الخريف هذا معناه ان الابقار قادرة على الاستقرار ببحر العرب .
الخلاصة انه يمكن استقرار البقارة الرحل ببحر العرب وهذا سيقلل او يزيل نهائياً الاحتكاك بينهم وايضاً بينهم وقرى المزارعين المستقرين . اثبات التاكد من ذلك علينا اجراء تجربتين حقليتين .
التجربة الاولى :-
العنوان قدرة بقر البقارة على البقاء ببحر العرب فى فصل الخريف .
1- شراء 250 بقرة من سلالة بقر البقارة (Western Baggara breed ) .
2- الاتفاق مع اسرتين من الرعاة احداهما من الرزقات والثانية من المسيرية لكى نتتبع ابقارهم فى المرحال لمدة ثلاثة سنوات .
3- الابقار ال250 تقسم كالاتى :-
أ- 50 بقرة تبقى بمحطة الردوم ؟؟؟؟؟؟؟ ببحر العرب .
ب- توضع 100 بقرة بمنطقة سفاهة (الرزيقات ).
ج- توضع 100 بقرة بمنطقة هجليج او ابيي .
د- تحصن جميع الابقار (أ ، ب، ج ). ضد الامراض المعدية بواسطة اللقاحات وايضاً تعالج من الديدان الداخلية وطفيليات الدم والقراد .
التجربة الثانية :-
بعوان مكافحة الذباب القارص (السرين) لكل من (سفاهة وهجليج ببحر العرب )
1- تحتاج كل مائة بقرة الى مساحة تتراوح بين 100كلم مربع من المرعى الطبيعى اعتماداً على طبيعة المنطقة .
2- يحتاج كل كلم مربع من المرعى الى اربعة مصائد لمكافحة الذباب القارص .
3- بذلك تحتاج التجربة الى 400-800 مصيدة .
4- تطع هذه المصائد بواسطة مادة Oclerol الجاذبة لذباب السريت والذباب الاخر المتعلق بحيوانات الحقل .
5- تستمر هذه التجارب لمدة ثلاثة سنوات .
6- يجب صيانة مصائد الذباب شهرياً .
7- خلال الثلاث سنوات يجب معاملة الابقارة المنضوية تحت التجربة ابقار( الردوم ، سفاهة ، هجليج وابقار الرحل) كالاتى :-
1- وزن كل الحيوانات اسبوعياً .
2- مراقبة نسبة الولادة Calvis rate خلال كل سنة من الثلاث سنوات .
3- احصاء انتاج اللبن للابقار فى كل منطقة .
4- حصر الابقار النافقة نتيجة للامراض كل سنة .
5- حصر الابقار التى هلكت بواسطة الحيوانات المفترسة سنوياً .
6- تجرى هذه التجارب بعلم زعماء المسيرية والرزيقات والسطات المحلية بمنطقة التجارب .
7- بعد الثلاث سنوات تحلل النتائج .
8- اذا كانت النتائج ايجابية توسع التجربة لتكون مشروعاً استثمارياً يحتزى به ليس للرزيقات والمسرية بل لجميع المستثمريين سودانيين او اجانب .
اعطاء خلفية تاريخية :-
1- عمل تجارب لاستقرار القبائل كل فى منطقته (توفير الخدمات البيطرية بكامل صورها ). الخدمات البيطرية .
أ- علاج الامراض .
ب- التطعيم الدورى .
ج- التواجد الدائم للخدمات البيطرية .
2 – مراعات الخدمات الاجتماعية الاخرى
3 – التجارب يجب ان تشمل متابعة الصحة العامة مع الانتاجية المطلوبة من لحوم والبان و...
المرحوم البروفيسور محمد موسى محمد احمد
أستاذ علم الطفيليات بجامعة السودان للعلوم والتكنولولوجيا
عام 2009م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق